مقدمة في علم القياس
القياس عملية فيزيائية تعتمد على التجربة العلمية التي تقارن بين مقادير يُراد قياسها وأخرى مرجعية من جنسها فيزيائياً تُسمى واحدات القياس.
ويؤدي علم القياس metrology دوراً رئيساً في تطور العلوم النظرية والتقنية. ومن أهدافه الأساسية استنتاج النظريات التي تكشف عن القوانين المعبرة كمياً عن القيم المختلفة.
وتجرى عملية القياس بتقنيات متنوعة إلكترونية أو كهربائية أو ميكانيكية أو غيرها. وتعد التقنيات الكهربائية والإلكترونية أكثرها انتشاراً في جميع المجالات العلمية بسبب تميزها بالدقة والحساسية العاليتين وسرعة النتيجة وإمكان تنظيم المعلومات وتنسيقها وتحليلها إضافة إلى إمكان القياس عن بعد.
وأدى التطور الكبير في تقنيات الهندسة الكهربائية والإلكترونية إِلى ظهور أجهزة قياس مركبة يمكنها أن تقيس مقادير كهربائية وغير كهربائية من ميكانيكية وحرارية وحيوية وغيرها وأن تحلل نتائجها وتنسق بين مؤثراتها وتنظِّم معلوماتها. فأجهزة القياس «الذكية» مثلاً مكونة من عدة وسائل تُربط بحسب نظام معين وتؤلف منظومة القياس.
وهناك حتى اليوم طريقتان أساسيتان في القياس: الطريقة المباشرة والطريقة غير المباشرة.
أما الطريقة المباشرة فتتميز بخاصة القياس التي يُحصل فيها على النتيجة فوراً عند تأثير المقدار المجهول في دخل الجهاز أو المنظومة، وهي تنقسم، بحسب التقنية المستخدمة في إظهار النتيجة، إلى الطريقة التمثيلية analogue method والطريقة الرقمية digital method.
أما الطريقة التمثيلية فتتميز بعلاقة معروفة بين مقداري دخل الجهاز وخرجه فيكون هذان ممثّليْن توابع زمنيةً مستمرةً (غير منقطعة) أي أنهما متماثلان.
وأما الطريقة الرقمية فتتميز بعلاقة ربط معروفة بين قيمتي دخل الجهاز وخرجه إلا أن مقدار الخرج تابع زمني منقطع أي إِن إشارة الخرج منقطعة زمنياً وتعطي النتائج أرقاماً على لوحة إظهارها.
وأما في الطريقة غير المباشرة، فعند تأثير المقدار الفيزيائي المراد قياسه فإن الجهاز لا يعطي النتيجة فوراً وإنما يقارنه مع القيم المعيارية، ويجري حساب المقدار المجهول بوساطة علاقة تربط بين القيم ربطاً غير مباشر، ومن أهمها طريقة المقارنة التي تقوم على أسلوب التبديل substitution method أي بمبادلة المقدار المجهول بآخر معلوم بعد مقارنة كل منهما إفرادياً بالمعيار، أو على الأسلوب الصفري null method الذي يعتمد على المقارنة بالمقدار المجهول والمعايير في آن واحد حتى الحصول على صفر جهاز المقارنة أي مساواة الأول والثاني ويسمى عادة بحالة التوازن، ويسمى جهاز المقارنة هذا عادة بالكاشف الصفري null detector. ولكن لا يمكن في بعض الحالات التوصل إلى التوازن الكامل، لذلك يقاس الفرق الأصغري بينهما وتسمى بالطريقة التفاضلية، أما جهاز الكاشف فيسمى في هذه الحالة بكاشف الخطأ error detector.
وتتأثر عملية القياس بالشروط المحيطة من درجات الحرارة والرطوبة والمؤثرات الفيزيائية الخارجية. ويراعى، لتوفير الدقة في عملية القياس، أن تتم هذه العملية في الشروط النظامية التي تحددها الأنظمة المعتمدة في الدولة أو النظم الدولية.
وأجهزة القياس الكهربائية هي وسائل تقنية إشارة دخلها كهربائية. وهي تقارن بين القيم المجهولة المراد قياسها والقيم المعيارية المعتبرة بعلاقة ربط معروفة بين إشارتي الدخل والخرج، وتتعين اعتماداً على النظرية الديناميكية الكهربائية أي بتأثير الطاقة الكهربائية، وأبسط أشكالها تسمى المقاييس الكهربائية، وقد تتألف من عدة تجهيزات قياس، ومنها وسائل التحسس وغيرها، لتكوّن منظومة قياس مستقلة قادرة على التحكم في عملية القياس وتنظيمها ومراقبة القيم المختلفة.
ومن أجهزة القياس الكهربائية: أجهزة القياس المقارنة، وأجهزة القياس الرقمية، وأجهزة القياس التمثيلية، وفي الأخيرة يكون مقدار الدخل الكهربائي تابعاً زمنياً مستمراً مماثلاً لتابع الخرج المتواصل زمنياً. وهي تصنف، بحسب طريقة إظهار النتيجة، في أجهزة القياس التمثيلية ذات المؤشر وأجهزة القياس التمثيلية لرسم الاهتزاز. وتضم الأولى جميع أجهزة القياس التي تدل على النتيجة الواحدة بوساطة مؤشر ميكانيكي أو شعاع ضوئي، وأغلبها كهربائية ميكانيكية، لذلك تسمى أجهزة القياس الكهرميكانيكية ذات المؤشر. وهذه الأخيرة تنقسم إلى مجموعات بحسب النظرية الكهرمغنطيسية المعتمدة في مبدأ عملها، أي تحويل الطاقة الكهربائية إلى ميكانيكية مكافئة ومعيرة بزاوية انحراف المؤشر على لوحة «إظهار النتيجة». ومن هذه المجموعات: أجهزة القياس ذات الوشيعة المتحركة وأجهزة القياس ذات النواة المتحركة وأجهزة القياس الكهرديناميكية وأجهزة القياس التحريضية وأجهزة القياس الكهرساكنة وأجهزة القياس الكهرحرارية.
أما أجهزة القياس التمثيلية لرسم الاهتزاز فيسمى واحدها اختصاراً «راسم الاهتزاز» (راسم الإشارة) oscillograph وهو جهاز تمثيلي يظهر على شاشته المنحني الزمني الممثل للتابع الرياضي المستمر للمقدار الكهربائي المراد دراسته والمؤثر في دخله.
ويصنف راسم الاهتزاز بحسب التقنية المعتمدة في إظهار منحني الإشارة إما في راسم الاهتزاز الضوئي الذي يعمل وفق مبدأ الشعاع الضوئي أو في راسم الإشارة المهبطي الذي يعمل بوساطة شعاع إلكتروني مولد من مدفع إلكتروني أو بوساطة صمام أشعة مهبطية.
وتقسم أجهزة القياس الكهربائية، بحسب المقدار الكهربائي الذي تقيسه، إلى: مقياس الأمبير am meter ومقياس الفولط voltmeter ومقياس الاستطاعة wattmeter ومقياس التردد frequency meter ومقياس الأوم ohm meter ومقياس الطاقة energy meter ومقياس عامل الاستطاعة power factor meter ومقياس التحريض المغنطيسي (تسلامتر) Tessla meter ومقياس التدفق المغنطيسي (السيالة المغنطيسية) flux meter وغيرها.
ومن المقاييس ما يقيس النسبة بين قيم مجهولة وأخرى عيارية معلومة فتسمى المقاييس التناسبية logometer. ومنها ما يقيس القيم الكهربائية الدقيقة (الصغيرة جداً) فيسمى المقاييس الغلفانية galvanometer. وجميع أجهزة القياس يمكن أن تقيس قيماً آنية أو حسابية أو قيماً وسطى أو فعالة، كما يمكن أن تقيس تكامل القيم في زمن معين مثل الشحنة الكهربائية والطاقة الكهربائية وتسمى أحياناً المقاييس التكاملية integrating instruments.
أجهزة القياس ذات الوشيعة المتحركة
هي مقاييس كهرميكانيكية تمثيلية ذات مؤشر ميكانيكي أو بقعة ضوئية تؤخذ نتائجها من لوحة مدرجة ومقسمة بحسب نظام وحدة القياس الدولية.
(الشكل -1) مقياس كهربائي ذو وشيعة متحركة
وتعتمد المقاييس ذات الوشيعة (الملف) المتحركة في مبدأ عملها على التأثير المتبادل بين الحقل المغنطيسي لمغنطيس دائم والحقل المغنطيسي لتيار مستمر يمر في وشيعة ملفوفة حول نواة حديدية ذات نفوذية مغنطيسية عالية (الشكل1).
ومن نتائج التأثير المتبادل بين المغنطيس الدائم والوشيعة حدوث مزدوجة من القوى المغنطيسية تؤدي إلى نشوء عزم يؤثر في الوشيعة المرتكزة على محور الدوران مما يؤدي إلى انحراف مؤشر الجهاز على اللوحة المدرجة. ويتعين عزم الفتل torque moment أو عزم القياس في الوشيعة المتحركة من العلاقة: Ms= 2rl.N.B.I حيث r نصف قطر الوشيعة و l طولها و N عدد لفاتها و B التحريض المغنطيسي في فجوة المغنطيس الدائم و I التيار الكهربائي المار في الوشيعة.
ويتم التوازن الستاتيكي في الجهاز عندما يتساوى عزم الفتل مع عزم نابض الإرجاع أو خيط الفتل في الجهاز، ويتحدد هذا التوازن من جداء زاوية الانحراف في ثابت نابض الإرجاع، وعند توازنهما يستنتج أن زاوية الانحراف تتناسب طرداً وخطياً مع التيار الكهربائي المار في الوشيعة باعتبار أن بقية المعاملات المشاركة تمثل ثوابت تصميمية داخل الجهاز.
ويتميز هذا المقياس بأنه يقيس التيارات الصغيرة بدقة عالية، وتتناسب زاوية القياس فيه مع شدة التيار، إلا أن هذا المقياس غير قادر على قياس التيار المتناوب قياساً مباشراً لأن القيمة الوسطى الحسابية لعزم الفتل فيه تساوي الصفر.
ولمقاييس الوشيعة المتحركة صفةٌ إيجابيةٌ أخرى مهمة هي التخامد الطبيعي المعتمد على نظام عملها، أي عندما تدور الوشيعة داخل الحقل المغنطيسي فإنه، بحسب معادلة مكسويل، ستتحرض قوة محركة كهربائية في وشيعة الجهاز. ولما كانت الدارة الكهربائية مغلقة عند عملية القياس، فإن تياراً كهربائياً معاكساً للتيار المراد قياسه سيمر في الدارة بحسب قاعدة لنز مما يؤدي إلى نشوء عزم مشابه لعزم الفتل يؤدي إلى تخامد الحركة الاهتزازية داخل الجهاز. وتنتمي غالبية المقاييس الغلفانية ومقاييس الأمبير والفولط الكهرميكانيكية إلى المجموعة ذات الوشيعة المتحركة بسبب مميزاتها المذكورة آنفاً حتى في مجال قياس القيم الحسابية الوسطى والعظمى والفعالة للتيار المتناوب الذي يُقوَّم أولاً ثم يقاس بوساطة جهاز الوشيعة المتحركة.
وإن أجهزة القياس ذات الوشيعة المتحركة تأخذ بالحسبان تأثيرات جميع العزوم ومنها عزم العطالة للأجزاء المتحركة وعزم التخامد الذي أشير إليه وكذلك عزم الاحتكاك، إلا أن هذا الأخير يهمل عادةً بسبب صعوبة حساباته لعدم تقيده بعلاقات معروفة.
وعند استخدام أجهزة الوشيعة المتحركة لقياس التيارات والتوترات العالية نسبياً يُستفاد من المخمدات الاصطناعية الميكانيكية أو المغنطيسية. وتتأثر المقاييس ذات الوشيعة المتحركة جميعها بالحقول المغنطيسية وبتغيرات درجة الحرارة والرطوبة والصدمات الميكانيكية.
مقياس الأمبير
إن إشارة الدخل الكهربائية في جميع المقاييس ذات الوشيعة المتحركة هي التيار الكهربائي، كما في علاقة عزم القياس. وتعمل مقاييس الأمبير بمقاومة داخلية تتعين من مقاومة ناقل الوشيعة والمقاومة الإضافية لتحقيق استقرار درجة الحرارة في أثناء عملها. والمقاومة الداخلية هي بوجه عام مقاومة صغيرة مما يزيد من أفضليات هذه الأجهزة في قياس التيارات الكهربائية، وإن درجة دقتها يمكن أن تصل إلى 0.1 وهي أعلى درجة دقة للأجهزة الكهرميكانيكية، ويدخل في هذه المجموعة من المقاييس مقاييس الأمبير والملّي أمبير والمكروأمبير وهي مقاييس تربط على التسلسل مع الأحمال المراد قياس تياراتها وذلك واضح من مبدأ عمل الجهاز.
وإن مقاييس الأمبير ذات الوشيعة المتحركة يمكن تغيير مجال قياسها بسهولة بوساطة مقاومات أومية (مفرِّعات shunts) تربط على التفرع مع المقاييس كما في الشكل 2 لأن المقاومة الكهربائية التفرعية ذات القيمة القياسية المعروفة تَقْصر الجهاز، وعندئذ، إذا أشار الجهاز إلى التيار i كان التيار الذي يجتاز الدارة مساوياً I، وهو أكبر من i بـ n مرة (عامل الضرب):
وإذا كانت g هي المقاومة الداخلية للجهاز، و R المقاومة الموصولة على التسلسل مع g (تفادياً لتخامد الوشيعة الشديد) وs مقاومة المُفرِّعة، فإنه من السهل التوصل إلى أن
ومن الواضح أنه يمكن تغيير قيمة n بسهولة وذلك بتغيير قيمة s.
(الشكل 2) تغيير مجال القياس لمقياس الأمبير باستعمال مقاومات على التفرع
مقياس الفولط
يحوَّل مقياس الأمبير، ذو المقاومة الداخلية r، إلى مقياس الفولط بوَصْله على التسلسل مع مقاومة كبيرة R ويوصل مقياس الفولط دائماً على التفرع بين مربطي قطعة الدارة (الحِمْل) المراد قياس الفولطية voltage (التوتر) بينهما. ولجعل خطأ القياس صغيراً يجب أن تكون مقاومة مقياس الفولط الداخلية (أي r+R) أكبر بكثير من مقاومة الحمل.
المقياس الغلفاني
تسمى أدوات القياس التي تقيس قيماً دقيقة بالمقاييس الغلفانية، ولقد أثبتت التجربة الهندسية والقياسية أن المقاييس ذات الوشيعة المتحركة تعد أكثر ملاءمة لتصميم نماذج المقاييس الغلفانية وتصنف المقاييس الغلفانية في أصناف عدة بحسب القيم التي تقيسها، فمثلاً مقاييس المكرو أمبير، التي تقيس تيارات من مرتبة 10-6A أمبير وأقل، تمثل مقاييس غلفانية عادية، في حين أن المقياس الغلفاني المخصص لقياس تيارات من مرتبة 10-9A أمبير وأقل، ومن ثم يقيس النبضة الكهربائية، يسمى المقياس الغلفاني القذاف البالستي، وهو مقياس تكاملي أي يقيس تكامل نبضة التيار الكهربائي في زمن مروره في وشيعة المقياس، أي يقيس الشحنة الكهربائية التي اجتازته.
(الشكل -3) المقاومات التسلسلية
ويُسمى المقياس الغلفاني المخصص لدراسة الاهتزازات بالمقياس الغلفاني الهزاز الذي يستخدم في اتجاهين أساسيين في القياسات الكهربائية، ففي الاتجاه الأول يستخدم مقياساً كاشفاً في الدارات القياسية، ويعتمد على ظاهرة التجاوب (الطنين) بين ترددات التيار المتناوب والاهتزازات الحرة لذلك كثيراً ما يسمى المقياس الغلفاني المتجاوب أو التجاوبي.
أما الاتجاه الآخر فيعتمد على استخدام النظرية الاهتزازية للمقاييس ذات الوشيعة المتحركة الغلفانية في رسم الاهتزازات عندما يكون تردد التيار أصغر من تردد الاهتزاز الحر للوشيعة. وتتصف المقاييس الغلفانية بميزة مهمة هي الحساسية العالية وقياس القيم الدقيقة، لذلك فإن جميع محدداتها ومعاملاتها التصميمية والاستثمارية تخضع لعملية اختيار تصميمي بحيث تحقق الخصائص المذكورة آنفاً ومن أهمها العطالة المنخفضة وعزم الإرجاع الصغير. ويمكن أن يتحقق ذلك باستخدام خيط ذي عزم فتل صغير جداً والاعتماد على الأشعة الضوئية التي تؤدي إلى إظهار بقعة ضوئية على لوحة تدريج المقياس (الشكل 4).
(الشكل -4) مخطط المقياس الغلفاني
ولقد أثبتت التجربة الهندسية أن المقاييس الغلفانية العادية تتميز بحساسية ثابتة غير تابعة للحركة الاهتزازية ولكنها تؤثر تأثيراً مباشراً في زمن التخامد ومن ثم في زمن القياس. وكذلك يمكن أن تؤدي إلى أخطاء فادحة بحسب نوع الحركة، ويتوقف ذلك على العلاقة بين المقاومة الداخلية للجهاز والمقاومة المكافئة الخارجية لدارة القياس المغلقة، وعند مراعاة أن معامل درجة التخامد في داخل هذه الأجهزة يجب أن يساوي تقريباً الواحد للحصول على أصغر زمن للتخامد واستقرار زاوية الانحراف استقراراً مضموناً فإن المقاومة الخارجية يجب أن تساوي مقداراً يسمى المقاومة الخارجية الحرجة، وهو محدد أساسي للجهاز مكتوب على لوحته المرافقة، ولهذه الأسباب تستخدم مع المقاييس الغلفانية مقاومات على التفرع كما في الشكل 2 لتبقى المقاومة المكافئة الخارجية عند القياس ثابتة.
وإن المعامل الأساسي للمقياس الغلفاني هو حساسيته S بالنسبة للتيار أو التواتر
حيث: α زاوية انحراف الجهاز، Rg مقاومة وشيعة المقياس، Vg وIg التيار المار في الوشيعة والتوتر المطبق على مربطيه.
وإذا فرض أن المقاومة الكهربائية للدارة خارج مربطي المقياس الغلفاني هي RD، وأن المقاومة التي تحقق معامل درجة التخامد تساوي الواحد β=1 هي RDK فإن معامل درجة التخامد لهذه الأخيرة يتعين من العلاقة:
وهي علاقة مختصرة ومهمة في دراسات الحركات الاهتزازية وعملية القياس في المقاييس الغلفانية، وعادة عند استثمار هذا النوع من المقاييس الغلفانية فإن معامل درجة التخامد يجب أن يكون مساوياً الواحد تقريباً، أو أن تكون المقاومة الخارجية تقريباً مساوية للقيمة الحرجة.
ويتضح مما سبق أنه عند اختيار مقياس غلفاني للتيار يُنطلق من الأساسين العمليين التاليين:
إذا كانت المقاومة المكافئة للدارة الخارجية RD عالية يُختار مقياس غلفاني بمقاومة RDK أعلى ما يمكن، ويجب أن تكون هذه المقاومة قريبة من المقدار RD لتوفير أعلى حساسية للمقياس فيما يخص التيار.
إذا كانت المقاومة المكافئة للدارة الخارجية RD صغيرة يُختار مقياس غلفاني بحساسية عالية بالنسبة للتوتر ومقاومة إخماد حرجة صغيرة تساوي تقريباً المقاومة الخارجية.
ويعتمد المقياس الغلفاني القذاف (البالستي) في مبدأ عمله على الحركة القذفية لوشيعته عند مرور نبضة تيار صغير جداً، ويتناسب الانحراف القذفي طرداً مع شحنة التيار الكهربائية. وتتصف هذه المقاييس بدور period كبير للحركة الاهتزازية الحرة بالمقارنة بزمن نبضة مرور التيار، ويتم التوصل إلى ذلك بزيادة ثابت عطالة الجهاز، ويتميز المقياس الغلفاني القذاف بحساسيته العالية، إذ يتوقف مقدار هذه الحساسية على نمط الحركة الاهتزازية التي تؤديها الوشيعة أو البقعة الضوئية عند الانحراف. لذلك فإن عدم الالتزام بالمقاومة الحرجة لا يسبب مشاكل في عملية التخامد فقط وإنما في قيمة القياس أيضاً. وبتعبير آخر فإن المقياس الغلفاني القذاف يدرج لكل دارة قياس بحسب مقاومته المكافئة أو يعاير بحسب محددات الدارة الخارجية.
وتتميز مقاومات التفريع في المقاييس الغلفانية بوظائف عدة بحسب الهدف التصميمي للمقياس، فمن المقاييس مباشرة، ما يستعمل كاشفاً صفرياً في جسور التيار المستمر وفي مجزئات التوتر المستمر، ومنها ما يستعمل مقياساً مباشراً للشحنة الكهربائية، ومنها كذلك ما يستعمل لقياس المقادير المغنطيسية وغيرها.
وإن مهام مقاومات التفريع كثيرة منها تأثيرها في العلاقة بين المقاومة الداخلية والخارجية ومن ثم في سير العملية القياسية مباشرة، ومنها حماية المقاييس الغلفانية من التيارات والتوترات الزائدة، إذ تربط معها على التفرع أو التسلسل، كما أن مقاومة التفريع تستخدم لمعايرة المقاييس الغلفانية أي تعيين حساسيتها وثابت قياسها (مقلوب الحساسية)، وبقية معاملات الجهاز. ولقد تبين بالتجربة أن المقاومات الكهربائية (R1,R2,R3) التي تربط مع المقياس (الشكل5) هي أفضل الاحتمالات الملائمة لخصائص الجهاز ودارة القياس لأنها توفر جميع المهمات المشار إليها سابقاً.
(الشكل -5) المقياس الغلفاني القذاف ودارة الربط التابعة له
وتشكل هذه المقاومات دارة تخامد الإشارة في المقياس وتتعين قيمها من المبادئ الأساسية التي يعتمد عليها المقياس الغلفاني القذاف وهي أن تقوم بتفريع التيار بنسبة محددة بدقة لتساوي المقاومة المكافئة الخارجية Rd المقاومة الحرجة Rdc ، وكذلك فإن المقاومة المكافئة للمفرعة وللمقياس الغلفاني يجب أن تكون معروفة تماماً وتمثل المقاومة المكافئة على خرج منبع القوة المحركة الكهربائية RL وهي تتعين من استطاعة الإشارة الكهربائية، فإذا كانت هذه الاستطاعة عالية نسبياً فيجب أن تكون المقاومة المكافئة الأخيرة مساوية للمقاومة الداخلية في المقياس Rg وذلك لخفض استهلاك دارة القياس من الاستطاعة، ولزيادة الدقة، في حين إذا كانت حساسية المقياس غير كافية فيجب أن تساوي مقاومته المكافئة المقاومة الداخلية لمنبع القوة المحركة الكهربائية Rs بغية توفير الاستطاعة الكهربائية والحصول على أعظم حساسية عند القياس، ويتم الاعتماد على المبدأ نفسه عند قياس المقادير اللاكهربائية باستخدام تجهيزات القياس الكهربائية.